الاثنين، 9 مايو 2011

تفجير مراكش: كثرة المشتبهين وغموض الدوافع

تزامن تفجير مراكش الذي خلف ستة عشر قتيلا وعشرات الجرحى أغلبهم أجانب، مع ظرفية تتميز بغليان شعبي واحتجاجات ومسيرات مطلبية يعرفها المغرب على غرار باقي الوطن العربي المضطرب اضطرابا 'إيجابيا ومؤقتا'. غليان واحتجاجات ومسيرات شبابية لا شك أنها نزعت نهائيا عن هذا البلد العربي 'النائي' خصوصية مفترى عليها طالما تغنى بها من المغاربة أولئك المستفيدون من انحطاط السياسة والإدارة والتدبير واختلال توزيع الثروة بين المناطق والفئات، فالآن بعد كل هذا الحراك وما صدر عنه وما يرفعه من مطالب أقرت أعلى السلطات بمشروعيتها، وبعد اعتقال رشيد نيني الصحافي الأكثر ملاحقة وفضحا للفساد والمفسدين، يمكن القول بأقل هامش خطأ، إن المغرب لا يختلف عن غيره من البلدان العربية، فله نصيبه من الصدام مع الحقوقيين والصحافة المستقلة الجادة، وله نصيب غير يسير من الأخطبوطات و'الطرابلسية' الذين يناهضون التغيير، والذين لم يستبعد العديد من السياسيين المغاربة أن يكونوا بشكل ما وراء تفجير مراكش بغرض الترويع وكسر وتيرة الحراك وما بدأ يجنيه من مكاسب، وهي شكوك عبّر عنها على قناة الجزيرة كل من الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المعارض، ومدير جريدة وقيادي بالحزب.
تزامن التفجير إذن مع الثورات والانتفاضات العربية ومع الحراك السياسي الذي بدأ المغرب يعرفه بعد طول اختلال وركود، مما يضع في دائرة الاشتباه لدى كل محلل محايدٍ أطرافا داخلية من مصلحتها استمرار الوضع القديم المشوب بالاختلالات والخروقات والتجاوزات التي شكّل الاعتراف بها عِقدا فريدا تنقصه واسطة العقد، التي هي المحاسبة والاقتصاص من الجناة، فقد يكون التفجير محاولة ساذجة من 'شبّيحة' المغرب لاستعادة أجواء ما بعد تفجيرات الدار البيضاء في 2003، التي تميزت بتشديد القبضة الأمنية والتضييق على الإسلاميين، بمن فيهم المعتدلون المنخرطون في 'العملية السياسية'، والإساءة إلى شعبيتهم المتنامية إساءةً وتضييقا مهّدا لظهور حزب جديد هو حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يعتبره معظم المهتمين حزبا إداريا، والذي لا يخفى أن من أهم أهدافه قطع الطريق على التيارات الإسلامية. هذا في ما يخص الأطراف الداخلية المحتمل ضلوعها في تفجير مراكش، لكن هذا الحدث المؤسف تزامن أيضا مع أوضاع ومستجدات إقليمية تضع أطرافا أخرى خارجية ضمن المشتبه فيهم. واعتمادا على قاعدة 'من له المصلحة ويمتلك الدافع' يجدر ضمُّ العديد من الأطراف الخارجية إلى حظيرة المنفذين أو الآمرين المحتملين، من ضمن تلك الأطراف:
* الانفصاليون المغاربة الصحراويون ممثلون بمنظمتهم 'البوليساريو' ومدعومون بالنظام العسكري الجزائري، إذ حدث تفجيرُ مراكش بعد ساعاتٍ من صدور القرار الأممي بتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة بالصحراء، من دون تكليفها بمراقبة حقوق الإنسان مثلما ظل يطالب البوليساريو والنظام الجزائري منذ أمد، ناهيك عن أنهما معا يتّهِمان المغرب بكونه أشاع تورُّطَهما في الدعم المباشر لنظام العقيد القذافي وكتائبه والمشاركة المباشرة بمرتزقة في قتل وترويع الشعب الليبي، وأنهما معا أيضا لم يهضما بعدُ فشلَ مخطط مخيم 'اكديم إيزيك' الذي أريد به إثارةُ تمرد وعصيان ومطالبة بالانفصال انطلاقا من احتجاج اجتماعي لفئة متضررة على غرار فئات أخرى عديدة بمختلف ربوع المغرب، فئة كانت في الأصل تحتج على ما لحق بها من حيف على مستوى الوظائف والسكن وبعض الامتيازات، يومها نفذ انفصاليو الداخل الجزء الميداني من الخطة وتكفل النظام الجزائري بالجانبين الإعلامي والحقوقي على مستوى الأمم المتحدة، وبالتالي يمكن تصور أن القرار الأممي بتمديد بعثة الصحراء من دون تكليفها بمراقبة وضع حقوق الإنسان كان له وقع شديد على النظام الجزائري والبوليساريو ومن ثم إمكانية ضلوع الانفصاليين أو مسانديهم في تفجير مراكش.
* المخابرات الإسبانية أيضا لا أستبعدها شخصيا من قائمة المشتبه فيهم في الحادث المؤلم، وأستغرب خبر مشاركة محققين إسبان أو حتى فرنسيين إذا صحّ، من منطلق أن إسبانيا لا تنظر بعين الرضا إلى بوادر التغيير بالمغرب جارِها الجنوبي اللدود، كما أن فرنسا وقطيعها النافذ الراطن بلغة موليير والمحتقر للعربية هم أول من سيتضررون من أية إصلاحات حقيقية تحرمهم من مواصلة احتكارهم لمجالات الاقتصاد والإدارة والتدبير المفوّض والإعلام والثقافة وغيرها. قد يقول قائل إن معظم الضحايا فرنسيون، وما المانع؟ أليست هناك شكوك بأن المخابرات الأمريكية كانت وراء أحداث 11 سبتمبر/أيلول التي قُتل فيها آلاف الأمريكيين لتُسوِّغ ما تدعي أنها محاربة الإرهاب وحماية مصالحها عبر العالم؟
أتمنى ألا يكون دم الضحايا قد 'تفرق بين القبائل' لكثرة الأطراف المشتبه فيها، لكنني لا أعتقد أن من قاموا بتفجير مراكش قد حصلوا على ما توقعوه من نتائج أو ردود أفعال، فالوضع بالمغرب بقي تقريبا على ما كان عليه من شد وجذب صحي على كل حال، ما لم يتم الالتفاف بشكل من الأشكال المعهودة على المطالب المشروعة للفئات المسحوقة والمتضررة والمهمشة، التي أعتبر ألا خير فيها إن لم تصرّ على مطالبها حتى تحققها كلها فعليا، كما أعتبر ألا خير في النظام إن لم يكن نصير تلك الفئات ونصير المدافعين عنها من حقوقيين وصحافيين في وجه الفساد والمفسدين، لكي نبني خصوصية مغربية حقيقية، ونبدأ عهدا جديدا طالما تغنينا به قبل أوانه أي قبل اكتمال أسسه ومقوماته.

هناك تعليق واحد:

  1. إنها لمبادرة محمودة أن تسهمي في إثراء ميدان الإعلام بالمغرب. لكن حبذا لو أنك تشيرين إلى المصادر أو على الأقل إلى كتاب المقالات. عبد اللطيف البوزيدي - كاتب مقال : تفجير مراكش: كثرة المشتبهين...- كاتب بالقدس العربي اللندنية والمساء المغربية-وجدة-المغرب

    ردحذف