الاثنين، 16 مايو 2011

مهرجان موازين: تبذير لأموال الأمة، ورقص على جراحها!

تناقلت المنتديات والرسائل الإلكترونية مؤخراً المبالغ الخيالية، والتي بلغت ملايين الدراهم، التي من المنتظر أن يتقاضاها "الفنانون والفنانات" الذين سيشاركون في مهرجان "موازين". ورغم كل الضجة التي أثارتها هذه المبالغ بالمقارنة مع فقر الميزانية وشظف العيش الذي يعيشه المواطنون، فإن الدولة لم تبد أي استعداد لتفسير هذا الكرم ما فوق الحاتمي للمواطنين، فضلاً عن إلغاء المهرجان ولا حتى تقليص نفقاته. وهنا يصح لنا أن نطرح بعض الأسئلة:

لو أن شخصاً فقيراً مديوناً قام باستجلاب المغنين والمغنيات من شتى أصقاع الأرض وأنفق عليهم مبالغ خيالية، في الوقت الذي يتضور أهله وعياله جوعاً، ماذا كنا سنقول عنه؟

مجنون؟ سفيه؟ أو على أقل تقدير أخرق تنقصه الحكمة، غلبه حب الشهوات على حسن التصرف؟

فأين إذا نضع دولتنا إذن، ونفس الواقع ينطبق عليها؟

إن أياً من هذه الحالات لا ينطبق على دولتنا، فكيف نفسر إذن هذا الإنفاق المهول، وهذا الإصرار عليه رغم كل الانتقادات؟

لم يبق إلا تفسير واحد، وهو أن الدولة "مجبرة" عليه، ولا تملك الخيار!!

وهذا، والله أعلم، التفسير الأقرب إلى الصواب.

إن المراقب لارتفاع وتيرة المهرجانات في السنوات العشر الماضية بالرغم من كل الانتقادات الموجهة لها، يستشف بوضوح أن هذه المهرجانات سياسةٌ مقصودةٌ مخطَّطٌ لها، وليست سياسةً ارتجاليةً، وبما أن الأمر كذلك، فإن الدولة تتحمل تَبِعاتها المالية دونما تردُّدٍ كما تتحمل باقي التبعات كمرتبات الموظفين.

لقد أصبح لكل مدينة مهرجان سنوي على الأقل، وأصبح لكل "نوع من الفنون" مهرجان، وأصبح للسينما مهرجانات، بل وللمسلخ مهرجان، وللحمار مهرجان، و... نفقات كل هذه المهرجانات طبعاً على الدولة والأجهزة التي تدور في فلكها. وكلما زاد المواطنون انتقاداً لهذه المهرجانات وما يصاحبها من عهر ومجون، كلما زادتهم الدولة مهرجانات أخرى، وزادت إنفاقها عليها...

فلماذا تنفق الدولة هذه الأموال الطائلة - وهي في أمسِّ الحاجة إليها - على هذه النشاطات التافهة، وتستعدي شرائح واسعة من المواطنين...!؟

لم لا تلغي الدولة هذه المهرجانات جملةً وتفصيلاً فتوفر تلك الميزانيات الضخمة وتسترضي المواطنين؟

أليس هذا الإصرار رغم الضائقة المالية ورغم شراسة المعارضة دليلاً قوياً على أن الدولة مجبرة على المضي قدماً في هذه المهرجانات وأنه لا خيار لها في ذلك!؟ الجواب قطعاً: بلى.

والسؤال الآن: إذا كانت الدولة مجبرةً على المضي قدماً في هذه المهرجانات رغم تكاليفها الباهظة، فمن الذي أجبرها؟ ومن الذي يملك أصلاً السلطان على الدولة حتى يستطيع إجبارها على عملٍ ما خصوصاً إن كان فيه ضررٌ عليها وعلى شعبها!؟

الجواب بكل بساطة هو: إن الذي أجبرها هو وليُّ نعمتها الذي أتى بها أول يوم.

لقد نشأت دولنا "الحديثة" من رحم الاستعمار وليس على أنقاضه، وكان العقد الذي تم بموجبه تفويض السلطة من المستعمِر إلى خلفائه المحليين، يدور حول ثلاثة محاور:
  1. تكريس الحدود المصطنعة التي رسمها المستعمِر ومنع إعادة توحد البلدان الإسلامية،
  2. العمل على حرف المسلمين عن دينهم وإشاعة الأفكار والقيم الغربية،
  3. ضمان المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية للمستعمِر القديم،

إن ما نقوله لم يعد سرّاً، ولا هتكاً لمستور، فكل من له أدنى نسبة من الوعي يعلمه علم اليقين، وعموماً فالواقع يؤيده، فمنذ خروج المستعمر من البلاد العربية والإسلامية منذ ما يقارب 50 عاماً، لم تخرج سياسات دولنا عن هذه المحاور، ومن تجرّأ منهم على الانحراف قيد أنملة عنه تم تأديبه، فإن أصرَّ، أُزيح عن الحكم بنفس السهولة التي أوصل بها إليه.

إلا أنه ومنذ أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، وإعلان هذه الأخيرة والغرب عموماً حربهم على ما يسمى "الإرهاب" بعد ربطه بالتديُّن، تم ملاحظة تضاعف وتيرة هذا النوع من المهرجانات، ليس في بلادنا فحسب، بل في كل البلاد العربية والإسلامية، وهذا وحده كافٍ للاستدلال على أن الأمر يتعلق بسياسةٍ مقررةٍ من الخارج وليس محلية، فأصبح لكل دولة "ستار أكاديمي"، وأصبح لكل دولة العشرات من المهرجانات السينمائية والغنائية والرقصية و... أحيطت هذه المهرجانات قصداً بهالة إعلامية كبيرة، وأصبح "الفنانون" نجوم المجتمع ورموزه والأمثلة التي يقتدى بها.

لقد وُجِدت قناعة عند أمريكا وأتباعها أن مشكلتها مع المسلمين تكمُن في تديِّنهم، لذلك فالعلاج هو في محاربة هذا التدين المتأصِّل في النفوس، ولا يكون بذلك إلا بإشاعة الفساد والانحلال الأخلاقي، وأهم هذه الوسائل هي هذه المهرجانات الساقطة، فأعطيت التعليمات للأنظمة الحاكمة في بلادنا العربية والإسلامية للمضي قدماً في هذه السياسة، وبما أن دولنا لا تملك ردَّ ما يأتيها من أوامر، فقد سارت على السياسة المرسومة لها كالتلميذ النجيب، بل وأصبحت دولنا تتنافس بينها أيهم يحسن تطبيقها ويقدم الأدلة على حسن تنفيذه للأوامر.

في هذا الإطار يأتي مهرجان "موازين" سيء الذكر، مهرجان آخر لإشاعة الفساد، ضمن سياسة عامة مقررةٍ ومملاةٍ خارجياً من الأعداء، منفَّذٍة محلياً من الوكلاء، لحرف الناس عن دينهم.

إن أشد ما يؤلم في هذا المهرجان، بالإضافة إلى توقيته الذي يتزامن مع المذابح التي يتعرض لها المسلمون في ليبيا واليمن وسوريا، هو أنه رغم كونه لا يخدم إلا سياسة المستعمر، فإن تنفيذه يتِمُّ بأيدينا نحن، وبإمكانياتنا نحن، وتُقتطع ميزانيته من قوت عيالنا، في وقتٍ هم في أشدِّ الحاجة إليه، لتنفق على هذا الفجور... وكأنَّ دولنا لا يكفيها أن تُبذِّر أموالنا على الفسق والمجون وبل وتصر على الرقص على جراحنا غير عابئةٍ بمشاعرنا وأحزاننا.

إن الحلَّ لا يكمن فقط في المطالبة بإلغاء هذا المهرجان وأمثاله، وإن كان هذا أمراً محموداً ومطلوباً، ولكن الحل هو في تغيير العقلية والنظام الذين أوجدا مثل هؤلاء المسئولين الذين لا تحمرُّ وجوههم خجلاً، ولا يتصبَّب العرق من جبينهم، بل ويتباهون، وهم يُدخلون الفساد والفاسدين إلى عقر ديارهم، وينفقون عليهم من كدِّ أولادنا وعرقهم.

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى، إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ».

اللهم ارزقنا حكاماً، يحفظون أموالنا ويذبُّون عن أعراضنا، ويسخِّروننا لحرب أعدائنا لا لخدمتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق